" كَناطر" جودت التميمي ..

ريسان الخزعلي
*.. أنه وكَلبي ابهيمة الوحشة انسبينه ، لادرب يعرف وجهنا إو لاوجه شفنه طفولتنا ابجبينه ، لا جِدَم ينكَل ابشاره إو يعتنينه ، لابكَت ايد التحط دفو المحبه ابحضن ادينه ، لاشفايف تكَطف البسمه علينه ، إولابعد تلعب مراجيح العشكَ والشوكَ بينه...،إوجيتج امن ابعيد من دنيه بعيده ، سندباد ، سندباد ابلا متاع ، ابلا شباب ، ابلا سفينة ، لشوكت ؟ نبكَه انتحمه اعله الثلج واحنه من جانت محبتنه جهنم ما دفينه !..*
نعم ، انه سندباد غريب ، أضاع البيت والجهة ،واكتفى بالمحبة / الجهنم ، ولم يعد باستطاعته الابحار ، فلا متاع للرحلة ، ولاشباب ، ولا سفينة ..، اذن لا ممكنات لهذا السندباد الوهمي غير ان يبحث عن / كَناطر / قد توصله الى ضفة ٍ ما ، بعد ان إصطحب قلبه فقط ..، ماأسهل المحاولة! وما اصعبها! .
الشاعر الراحل ( جودت التميمي )..، شاعر موهوب ، كتب الشعر منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ،كتب الشعر معتمداً على قوّة هذه الموهبة ، الّا أنه جعل منها طريقاً الى السهولة ، ولم يكن ملتفتاً الى التطوّر الفني الا ماندر ، وما كان منشغلاً بوعي كتابة القصيدة ، بل استغرق كثيراً في كتابة الاغاني تحت ضغط الحاجة والعوز ، وله مئات الاغاني التي شاع صيتها عراقياً وعربياً .
إنَّ ادراك الشاعر لأهمية القصيدة قد جاء بعد التحديث / النوّابي / وما تلاه من تطوّر على ايدي شعراء مثقفين . وبالفعل كتب قصائد جديدة لها وقعها الفني ، لكنَّ ضغط الحاجة والعوز ، اضطرّه الى ان يبيعها الى آخرين متشاعرين ، وقد ظهرت في دواوينهم ، الّا أنه ادرك الخسارة لاحقاً ، وبقي متحسراً لا يقوى على الاعتراض الا بسرّية يعرفها مجايلوه . ومن قصائده اللامعة التي لم يشترها أحد بسبب مناخها السياسي ، قصيدة ( رمدة الشمس ) التي تُنسب خطأً الى الشاعر مظفر النواب .
في بداية السبعينيات ، صحا الشاعر من صدمة الخسارة ، وجمع الشتات مما تبقّى لديه ، قائلاً : انَّ ما لديَّ بعد الذي حصل لم يكن سوى خواطر . والخواطر هذه ، هيَ ما ضمّته مجموعته الوحيدة ( الكَناطر ) ..، وبسهولة يمكن ملاحظة الاعتراف والندم في المقدمة التي كتبها لمجموعته : صدرت للاسواق مجموعة من الدواوين الشعبية التي يختفي اسمي وراء الاسماء التي تحملها ، وحصل ذلك خلال مرحلة العطش والحرمان . وهنا يصح ان نقول : لقد اضاع الشاعر الجسور واكتفى بالكَناطر ، فالجسور للانهار والكَناطر للسواقي .
في مجموعة ( الكَناطر ) يجيء التوليد الشعري بسيطاً راكضاً ، لا يخلو من التهكّم كما هي طبيعة الشاعر الاجتماعية ،الا في قصيدتين هما : السندباد –التي اصبحت أغنية للمطرب سعدون جابر ، وموسم الدموع .
إنَّ هاتين القصيدتين لا تندرجان تحت عنوان تصنيفه – الخواطر ، كونهما تحملان الظلال النفسية والروحية والفنية لقدرات الشاعر ، وتمثلان النموذج المرتبط بقصائده اللامعة / المباعة .
( موسم ادموعي انتهه إو للشوكَ ما ظل غيم ، بطّل شتال العشكَ لا تشتل اعله الديم ).
جودت التميمي ، شاعر موهوب ، وكان من الممكن ان يشغل مكاناً في الصف الأول مع مجايليه ، الا انها عثرات الغفلة والاستسهال والابتعاد عن التأصيل الثقافي ، وحين نستعيده الان ، فإننا نستعيد شعر الموهبة الصافية ، نستعيد شاعراً كتب بكثافة ، نستعيد صورة الشاعر حينما يقطف العوز قصائده ، ذاهبة ً الى دواوين الآخرين . انها استعادة ( الكَناطر ) التي لم توصلْه ُ ، حتى الى البيت .