كريم راضي العماري من قصائد دامعة الى عطش النخيل

بصدور الأعمال الشعرية ( الكاملة ) للشاعر المبدع / كريم راضي العماري / ..، يكون الاحتفاء ملزما ، كموقف تمليه اعتبارات ادبية واجتماعية ، لابد لها ان تجتمع في هذا الاحتفاء . فالشاعر ومنذ قرابة خمسة عقود زمنية يواصل مشروعه الشعري بخصوصية ترتبط بتكويته الفكري والثقافي ، وبالجذر الجنوبي الذي اشعل فيه جذوة الشعر الى ان اصبح صوتا واضح النبرة في مشهد الشعر الشعبي العراقي الحديث ، اضافة الى دوره في الاغنية العراقية والاوبريت والمسلسلات الريفية الغنائية . من هنا يكون الاحتفاء الملزم هذا شعريا وغنائيا .
ريسان الخزعلي
تضم الاعمال الشعرية ثماني مجاميع : قصائد دامعة ، المعاضد ، عشكَ حفاي الصرايف ، للوطن واعيون صاحبتي ، مواويل جنوب القلب ،وجع روحي ، جرح للبيع ، عطش النخيل . وقد غابت مجموعته البكر ( قلوب نازفة ) لأسباب تعود لتقديرات الشاعر الفنية والتاريخية حتماً . ومن قصائد دامعة الى عطش النخيل ، يكون الشاعر في خط نمو بياني يكشف مديات تطوره الشعري المرتبط بالبدايات فنياً ، ولأنه لا يفتعل شيئاً من خارج خصوصيته وتجربته ، ولأنه كذلك لا يلتفت الى اشكال شعرية والمت اصحابها ، لذلك لا نجد في شعره صوت الآخر ، وانما صوته هو المُشع على طول مساحة القصيدة أو القصائد ، هذا الصوت الذي يتمسك بالوضوح والبساطة ، والبساطة هنا لا تعني السطح دائماً ، وانما تتعدى الى ماهو اكثر عمقاً ، عمقاً مرئياً بوضوح من دون تكلّف .
تجربة الشاعر كريم راضي العماري تجربة ليست باطنية أو ذهنية ، تجربة حياتية واقعية تمد مجساتها باستمرار الى : الوطن ، الناس ، الحبيبة ، المدينة الأُولى ، العائلة ، الشهداء ، الصداقات ، اليوميات ، السفر ، الرموز الدينية ، الفجيعة . وهنا أراه يفكر بأنه شاعر من مجتمع وليس شاعراً في مجتمع ، ومثل هذا الالتصاق الحميمي كان السمه الابرز في الاعمال الشعرية الكاملة : ودّيني يجاري الماي واشتلني ابتوالي الهور برديّة ، وديني طفل مفطوم حن إو راد اهاليّه ، وديني بلم زافوف والشيمه ابمراديّه ، يجاري الماي جدمني ابصريفتنه ابوي اهناك ظل مشعل عزم بالدار واعيونه ابظلام الليل كَمريه...توفّه احمود مصلوب اعله مرديّه ، صدكَ ياهور العماره تظل مخنوكَه صرخاتك عله الريّه . من التحولات الفنية في هذه الاعمال ، ميل الشاعر الى كتابة القصيدة القصيرة في المجاميع الاخيرة والعودة الى النظام – حيث الشكل الشعري الأول بناءً وتقفية ً رغم طريقة الكتابة بالشكل الجديد ، وهي تحولات تمليها الشعرية والغنائية التطريبية في زمن راكض الايقاع ، وحسناً يفعل هذا لتخليص القصيدة من استطرادات زائدة بعيدة عن المركز والارتكاز .
ومن الملامح الفنية الخاصة ايضاً ظهور قصيدة الحكاية ( البالاد )..، وهي شكل شعري قليل الاستخدام في الشعر الشعبي العراقي الحديث ، رغم استخدامه في الشعر الحديث عراقياً وعربياً وعالمياً ، وبذلك يكون الشاعر قد توافر عليه واستخدمه بطريقة تؤكد خصوصية اضافية تُحسب له ضمن جمالياته الشعرية ، مع مراعاة ان تحتفظ قصيدة الحكاية بتشيل صوّري كي لا تكون حكاية خالصة .
قصيدة أُو ازهر مثالاً لاحصراً :
ابمحلتنه عجوز ، الناس تعرفهه ، كريمة إو صادقة إوطيبة..عدهه اربع بنات او ولد اسمه ازهر ، يم الباب تنطر للصبح لمّن يجي ازهر ، إو من يمشي وراه تشمر بديهه الماي ، يحفظه امن الحسد وايزيح عنّه الشر، إويم الباب تكَعد بالشمس والحر ، حتّه الماتعرفه اتسأله عن ازهر ، ابقناعتهه صديق الناس كل الناس ابنها ازهر.
العماري ، شاعر مطوّق بالفجيعة والتعارضات الحياتية ، فقدان ولدين وبنت ، والكثير من الفقدانات الاخرى ، وهكذا لفح الحزن والشجن قصائد مجاميعه الاخيرة ، وقد تمترس بالصمت وبدده شعراً ، واغلق المسرح : آ..سكتوا المسرحية بدت لا تحجون..ملك الموت سد باب المسارح وانتو ماتدرون ، المؤلف مات ،المخرج مات ، والكادر بلايه اعيون ، والمسرح خشب تابوت .
انَّ صدور الاعمال الشعرية للشاعر العماري قد وثّقت لحظته الشعرية قبل وبعد فوات الأوان كما يقول.